الحياة في القدس


يسعى الاحتلال بكل إمكاناته المادية والمعنوية إلى بسط سيطرته على كل مقدرات مدينة القدس للحيلولة دون تمكين أهلها من حقهم الطبيعي في أرضهم وممتلكاتهم ،فعمل على ضرب كل  المقومات التي من شأنها أن تؤشر  للخصوصية الحضارية للإنسان المقدسي ،موظفا  كل إمكاناته المادية والقانونية للوصول إلى هدفه ومبتغاه،كما راهن في الوقت ذاته على تبريد العواطف الشعبية للمقدسيين تجاه قضيتهم ومقدساتهم، وتبليد الذاكرة الجمعية للمجتمع من خلال الضخ وبكثافة غير مسبوقة بالحزم والقوانين والإجراءات اليومية المرهقة، والمشاريع التهويدية المتتالية في محاولة منه مقاسمة الرمزية الدينية والشرعية التاريخية للمسجد الأقصى، ومشاركة الفلسطينين هذا الموقع المقدس، بالاقتطاع القسري والتدريجي من المساحات الزمانية والمكانية للمسجد، عن طريق تزوير الحقائق بالتأسيس المعرفي أو الاركيولوجي لأساطيره القديمة ـ والتفريغ الممنهج للمسجد الأقصى من زواره ورواده بتكثيف القيود القانونية ، أو من خلال  العمل على إرهاق الفرد المقدسي بمتطلبات الحياة الضاغطة ما يجعله منشغلا عن حماية مقدساته .. وإذا أخذنا بعين الاعتبار  تدهور  القطاعات الحياتية المختلفة كالقطاع الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والصحي وقطاع المقدسات ـ وازدياد الفقر  والعوز وتفشي البطالة ، وصعوبة الحصول على فرص العمل ، وازدياد العوائل  والأسر الفاقدة المعيل ، وانتشار الآفات الاجتماعية الخطيرة على  الشباب وارتفاع تكاليف الزواج بين الأسر  .. فإن العمل على التقليل من خطورة هذا الوضع ضرورة لازمة في هذه المرحلة 


قطاع رعاية المقدسات والمسجد الأقصى المبارك

يعتبر المسجد الأقصى الرهان الذي يعمل الاحتلال على كسبه، وبسط سيطرته ونفوذه عليه من خلال سياسة التهويد الممنهجة، سواء كان ذلك على مستوى الاقتحامات اليومية أو مشاريع التقسيم الزماني والمكاني، إذ ينشط في القدس 23 جماعة يهودية شغلها الشاغل تهويد المسجد الأقصى ، مع التضييق الممنهج  بين المنع والإبعاد لأهالي الميدنة من عمارة المسجد الأقصى بالتقليل من تواجد المصلين ،ومنع المناشط الدينية والثقافية في باحاته ، وبناء الكنس  والمستوطنات  في مدينة القدس وحولها حيث بلغت عدد المستوطنات  التي تحيط بمدينة القدس 43 مستوطنة ، بالإضافة إلى الحفريات والأبنية التي تجري تحت القدس منذ عام 1967 ،إذ قد بلغت 104 حفريات، منها 22 فاعلة، 4 تحت وحول الأقصى، و5 في سلوان، و5 في البلدة القديمة، و8 مواقع متفرقة، و57 حفرية ونفقا تخترق المسجد الأقصى ،تستهدف تغيير هوية ومعالم الأوقاف والمقدسات الإسلامية والمسيحية كتراث عالمي، والتي نصت قوانين الأمم المتحدة على تبعيتها لأهلها في إشارة واضحة إلى عروبة وإسلامية المدينة.

 

 

قطاع التعليم

يعتبر قطاع التعليم قطاعا استراتيجيا، يحقق الأمن الفكري والثقافي للأمم، ويلبي احتياجاتهم المعرفية اليومية، ولذا سعى الاحتلال بكل إمكاناته المادية والمعنوية إلى بسط يده على كل مقدراته في القدس، للحيلولة دون تمكين أهلها في الاستقلال بمنظومة تعليمية تحافظ على هوية سكانها، وتضمن استمرارية انتمائهم الطبيعي إلى محيطهم العربي والإسلامي، فعمل على تدجين واحتواء المدارس العربية، والسيطرة على أكثر من 60% من مدارس القدس. في الوقت الذي تعاني فيه باقي المدارس التابعة للأوقاف ، والأونروا، والمدارس الخاصة، نقصا حادا في التمويل وضعفا كبيرا في البنية التحتية حيث 38 % من المدارس تشتغل  في أبنية مستأجرة ، مع الحاجة الملحة إلى زيادة الغرف الصفية إذ تعاني بعجز قددره 2548 غرفة صفية، ما يعرضها للإغلاق أو الإضعاف أو الإلحاق ببرامج الاحتلال التعليمية، بتبني المنهاج الإسرائيلي، مقابل الدعم المادي المشروط، ما يعني القضاء على الذاكرة الجمعية للطلاب، وتفكيك انتمائهم تدريجيا وانتزاعهم من محيطهم العربي والإسلامي

  

القطاع الإقتصادي

يعكس الوضع الاقتصادي لمدينة القدس حقيقة المعاناة التي يعيشها المواطن المقدسي، في ظل سياسة الاحتلال التي تدفع يوما بعد يوم إلى تأزيم الأوضاع، وتسقيف فرص الحصول على العمل، والتضييق الممنهج على سكانها اقتصاديا، بشكل يؤول إلى التأثير في تعاطيه اليومي مع قضيته الأم، وقضاياه المصيرية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار ارتباط مدينة القدس بالدورة الاقتصادية للاحتلال بشكل مباشر حيث أصبح سوق عمل الاحتلال كمصدر رئيسي لدخل المقدسيين بنسبة 54.2% ،ما يؤدي إلى رفع تكاليف المعيشة في المدينة إلى حد كبير، حتى أصبحت أقرب إلى تكاليف المعيشة في دولة الاحتلال منها إلى تكاليف المعيشة في الضفة الغربية ،كما يبلغ متوسط دخل الفرد في القدس  1300دولار، وهو أقل من نصف تكلفة المعيشة بالمدينة ، بالإضافة إلى حجم وأنواع الضرائب التي تفرضاه سلطات الاحتلال، مما رفع نسبة الفقر في أحياء شرق القدس إلى حوالي 80 % فيما تصل هذه النسبة إلى 85 % بين الأطفال. علما أن نسبة 89% من العائلات المقدسية تعتمد على أجر واحد.

 

القطاع الإجتماعي

ينعكس الوضع الاجتماعي للمقدسيين سلبا وايجابا على القطاعات الأخرى بشكل مباشر، إذ يرُى أثره في حجم التداعي لحفظ المقدسات، والتفاعل مع التطورات اليومية التي تهدد المسجد الأقصى. ومع ارتفاع معدلات البطالة والفقر إذ تصل نسبة الفقر بين العرب  في مدينة القدس سنة 2019  إلى عتبة 80 % ، فيما تصل النسبة إلى 86 % بين الأطفال ، و75 % بين عموم العائلات المقدسية ، أما معدلات البطالة  فتصل إلى 31%  في المجموع العام ،أما في فئة الشباب فتقدر ب:  40 % ،هذا ومع تزايد وتفاقم مشاكل اليتم والتهجير والاعتقالات المتزايدة في حق  الأطفال  والشباب ، ووارتفاع أعداد الأسر فاقدة المعيل ..والتضييق اليومي على المواطن المقدسي في مختلف الميادين، ما يعني ضعف  وتراخي حالة  وبنية التصدي المجتمعي ، لانشغال الناس بتوفير لقمة العيش وتغطية الحاجيات اليومية، وهذا ما يجعل من مغريات التنازل عن العيش في المدينة، أو ضعف التمسك بالهوية، والممتلكات أمرا واقعا تدريجيا  يصعب على  الفرد المقدسي مقاومته لوحده، مالم يجد دعما وظهيرا يشد أزره، ويتقاسم معه هموم التحديات التي تتفاقم يوما بعد يوم .

 

 

 

القطاع الصحي

على غرار  القطاعات الأخرى، يعاني قطاع الصحة من ممارسات الاحتلال التي تهدف إلى إضعاف المقدسيين، والسيطرة على مقدراتهم المادية والمعنوية، فمنذ 1996 وهو يسعى إلى تحويل المرجعية الصحية الخدمية إلى منشآت الاحتلال بإلزام المقدسيين التسجيل في "التأمين الوطني الإسرائيلي"، كما تعاني مستشفيات القدس من خطر الغلق بسبب عدم دفع المبالغ المترتبة عليها ،وسحب  المعونات  الأجنبية عنها.، ويعمل في القدس 6 مؤسسات صحية تُقدم الخدمات الطبيّة والصحيّة لنحو 150 ألف مريض من القدس المحتلة وجوارها سنويًّا، بالإضافة إلى تدهور الحالة الصحية للأطفال بسبب غياب الوعي الصحي، وضعف التغذية، وازدياد الأسر فاقدة المعيل، مما أثر على الأوضاع الصحية للكثير من أفراد المجتمع المقدسي ( الأمهات، الأطفال، الشباب ..) كما تعاني مستشفيات القدس من خطر الإغلاق . 

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الصحة لا ترتبط بالخلو من الأمراض فقط؛ بل بتحسن الوضع المعيشي عامة، وانعكاساته على الجوانب النفسية للفرد والمجتمع، فإن  العيش تحت الاحتلال، يعد سببا كافيا لازدياد المعاناة اليومية على مختلف القطاعات  الحياتية، الصحية والاجتماعية والتعلمية ...

 

نستخدم ملفات تعريف الارتباط من أجل تقديم تجربة استخدام مفيدة لكم، بدخولكم للموقع، فإنكم توافقون على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط اضغط لمزيد من المعلومات
موافق، إغلاق